15 Apr
15Apr

بسم الله الرحمن الرحيم

موقف من مواقف السيرة النبوية، وقع في إحدى البيوت الإسلامية في المدينة المنورة، بين خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَة وزوجها أوس بن الصامت (أخو عبادة بن الصامت) رضي الله عنهما، وفيه راجعت خولة رضي الله عنها زوجها في شيء أثار غضبه، فقال لها: أنت عليَّ كظهر أمي، أي محرمة عليّ، ثم بعد ذلك أراد أن يباشرها فأبت وامتنعت عنه، وذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكت إليه، فنزل القرآن الكريم بآيات الظهار في مطلع سورة المجادلة، لتقدم الحل والحكم لهذه القضية: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ * الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (المجادلة 2:1)، قال السعدي: "المظاهرة من الزوجة: أن يقول الرجل لزوجته: "أنت علي َّكظهر أمي" أو غيرها من محارمه، أو "أنت عليَّ حرام"".

روى أحمد وغيره عن خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَة رضي الله عنها قالت: (وَاللَّهِ فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ الصَامِتٍ أنزل الله عز وجل صدر سورة المجادلة، قالت: كنتُ عنده وكان شيخاً كبيراً قد ساء خُلُقُه وضجر، قالت: فدخل عليَّ يوماً فراجعته بشيء فغضب فقال: أنت عليَّ كظهر أمي، قالت: ثم خرج فجلس في نادي قومه ساعة، ثم دخل عليَّ، فإذا هو يريدني على نفسي، قالت: فقلت: كلا، والذي نفس خويلة بيده لا تخلص إليَّ وقد قلتَ ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه. قالت: فواثبني، وامتنعت منه، فغلبته بما تغلب به المرأة الشيخ الضعيف، فألقيته عني، قالت: ثم خرجت إلى بعض جاراتي فاستعرت منها ثيابها، ثم خرجت حتى جئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلست بين يديه، فذكرت له ما لقيت منه، فجعلت أشكو إليه صلى الله عليه وسلم ما ألقى من سوء خلقه، قالت: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا خويلة! ابن عمك شيخ كبير فاتقي الله فيه، قالت: فوالله ما برحت حتى نزل فيَّ القرآن فتغشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يتغشاه، ثم سُرّي عنه، فقال لي: يا خويلة قد أنزل الله فيك وفي صاحبك. ثم قرأ عليَّ: {
قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (المجادلة: 1) إلى قوله: {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (المجادلة:4)، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مريه فليعتق رقبة، قالت: فقلت: والله يا رسول الله ما عنده ما يعتق، قال: فليصم شهرين متتابعين، قالت: فقلت: والله يا رسول الله! إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر، قالت: قلت: والله يا رسول الله ما ذاك عنده، قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإنا سنعينه بعرق من تمر، قالت: فقلت: وأنا يا رسول الله سأعينه بعرق آخر، قال: قد أصبتِ وأحسنت، فاذهبي فتصدقي عنه، ثم استوصي بابن عمك خيرا، قالت: ففعلت).
قال ابن حجر بعد أن ذكر أن الحديث: "أخرجه أحمد وغيره، وهذا أصحّ ما ورد في قصّة المجادلة، وتسميتها".

وأخرج ابن حبان ـ وصححه الألباني ـ عن عائشة رضي الله عنها قالت: 
( تبارك الذي وسِعَ سمعُهُ كل شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفَى علَيَّ بعضه وهي تشتَكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله، أَكَل شَبابي، ونثرتُ له بَطني، حتَّى إذا كبُرَتْ سِنِّي، وانقطع ولَدي، ظاهرَ منِّي، اللَّهمَّ إنِّي أشكو إليك، فما برِحَتْ حتَّى نزل جِبرائيل بِهَؤلاءِ الآيات ): {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (المجادلة: 1)).