هند بنت المهلب زوجة الحجاج
هي امرأة ذات حسب ونسب، أبوها القائد المغوار المهلب بن أبي صفرة اشتهر بشجاعته وإقدامه في لقاء العدو، عرفت هند بجمالها الفتان وطلتها البهية وذكاءها الشديد، كانت تشتهر بالفصاحة والسرعة في الرد والحكمة البالغة.
دهاء وجمال هند بنت المهلب :
تزوجت من الحجاج رغمًا عنها ولم تمض السنة حتى طلقها حينما سمعها تنشد شعرًا أمام المرآة وهي تطالع جمالها فيها وقد رأته إلا أنها تجاهلته وأنشدت شعرها تسمعه حين قالت :
ومـــــا هند إلا مهرة عربية سليلــــــــــة أفراس تحللها بغل
فإن أتاها مهر فلله درهـــــــا وإن أتــاها بغل فمن ذلك البغل
فما أن انتهت من شعرها حتى أظهر غضبه الشديد، وذهب إلى خادمه قائلًا له: اذهب إلى هند وبلغها أني طلقتها في كلمتين فقط وإن زدت قطعت لسانك، وأعطها هذه العشرين ألف دينار، فذهب الخادم فقال لها: “كنت فبنت” يعني بها أنها كانت زوجته والآن قد طلقك، ولفصاحتها الشديدة رددت عليه قائلة: “كنا فما فرحنا … فبنا فما حزنا” ثم قالت له فرحة: خذ المال كله لك.
زواجها من عبد الملك بن مروان :
ظلت بعدها فترة لا يستطيع أن يتقدم لخطبتها أحد فهي طليقة الحجاج الثقفي ومن ذا الذي يجرؤ، وللمرة الثانية تثبت دهائها حين قدمت العطايا للشعراء حتى يمتدحوها عند الخليفة ” عبد الملك بن مروان ” ففعلوا وجعلوا يمتدحونها ويمتدحون جمالها وحسن طلتها ورجاحة عقلها حتى اعجب بها الملك وطلب الزواج منها.
أرسلت هند كتابًا إلى عبد الملك تقول فيه ” بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه محمد صل الله عليه وسلم، اعلم يا أمير المؤمنين أن الكلب ولغ في الإناء” ففهم مقصدها ورد عليها كتابًا قال فيه: قال رسول الله صل الله عليه وسلم “إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداهن بالتراب”، فردت عليه هند بكتاب “بعد الثناء على الله والصلاة على نبيه محمد صل الله عليه وسلم، فإني لا أجري العقد إلا بشرط، فإن قلت ما الشرط ؟ أقول: أن يقود الحجاج محملي إلى بلدك التي أنت فيها، ويكون حافي القدمين بلباسه الذي كان يلبسه قبل أن يصبح واليًا”.
نفذ عبد الملك طلبها وأرسل إلى الحجاج يأمره بما طلبت ولم يستطع الحجاج الرفض وفعل، ذهب إليها وطلب منها ان تتجهز ففعلت، وركبت المحمل مع جواريها، واخذ الحجاج يقود البعير، إلا أنها كشفت الستار حتى رأته وضحكت كيدًا له فأنشد فيها :
“ فإن تضحكي يا هند رب ليلة تركتك فيها تسهرين نواحا ”
فأجابته :
وما نبالي إذا أرواحنا سلمت مما فقدناه من مال ومن نسب
المال مكتسب والعز مرتجع إذا شفي المرء من داء ومن عطب
وما أن انتهت من إنشاد هذين البيتين حتى أوقعت دينارًا متعمدة، وقالت للحجاج: يا جمال وقع مني درهم فأعطنيه، فقال الحجاج إنه دينار وليس درهم فنظرت إليه وقالت: الحمد لله الذي أبدلني الدرهم بدينار ففهمها الحجاج.
وحينما وصلت الراحلة تعمد الحجاج أن يتأخر في الإسطبل وحينما دعاه الملك للوليمة قال الحجاج : ربتني أمي على ألا أكل فضلات الرجال ففهمها عبد الملك ولم يقربها بل كان يزورها فقط ولما علمت ما حدث أرسلت في طلبه ولما رأته مقترب قطعت عقد اللؤلؤ وجعلت ترفع ثيابها تغريه بمفاتنها ثم جلست على الأرض تنظم حبات اللؤلؤ وهي تقول سبحان الله فقال لها عبد الملك لم تسبحين فقالت : إن هذا اللؤلؤ خلقه الله لزينة الملوك ، فقال : نعم، فقالت : ولكن شاءت حكمته ألا يثقبه إلا الغجر فقال لها : صدقت والله ، قبح الله من لامني فيك ، ودخل بها من يومه.