تفصيل صدقة الفطر على المذاهب الأربعة
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله ، ثم الحمد لله ، الحمد لله الواحد القهار ، العزيز الغفار ، مكور الليل على النهار ، تذكرة لذوي العقول والأبصار ، وتبصرة لأولي الألباب والاعتبار ، أحمده سبحانه وتعالى أبلغ حمد وأنماه ، وأشمله وأزكاه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، إنك أنت العليم الخبير .
صدقة الفطر :
صدقة أو- زكاة - الفطر واجبة على كل حر مسلم قادر، أمرنا بها النبي صلى اللّه عليه وسلم في السنة التي فرض فيها رمضان قبل الزكاة، وقد كان صلى اللّه عليه وسلم يخطب قبل يوم الفطر، ويأمر بإخراجها، فقد أخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن عبد بن ثعلبة، قال: خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قبل يوم الفطر بيوم أو يومين، فقال : "أدّوا صاعاً من بر أو قمح؛ أو صاعاً من تمر أو شعير عن كل حر أو عبد، صغير أو كبير" ([1])
وفي بيان حكمها ومقاديرها تفصيل المذاهب. ([2])
الحنفية قالوا: حكم صدقة الفطر الوجوب بالشرائط الآتية، فليست فرضاً،_ الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب والفرض عندهم أعلى من الواجب - ويشترط لوجوبها أمور ثلاثة : الإسلام ، والحرية ، وملك النصاب الفاضل عن حاجته الأصلية ، ولا يشترط نماء النصاب ولا بقاؤه، فلو ملك نصاباً بعد وجوبها، ثم هلك قبل أدائها لا تسقط عنه بخلاف الزكاة، فإنه يشترط فيها ذلك، كما تقدم، وكذا لا يشترط فيها العقل، ولا البلوغ، فتجب في مال الصبي والمجنون، حتى إذا لم يخرجها وليهما كان آثماً، ووقت وجوبها من طلوع فجر عيد الفطر، ويصح أداؤها مقدماً ومؤخراً، لأن وقت أدائها العمر فلو أخرجها في أي وقت شاء كان مؤدياً لا قاضيا، كما في سائر الواجبات الموسعة، إلا أنها تستحب قبل الخروج إلى المصلى، لقوله صلى اللّه عليه وسلم: "أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم([3])"؛ ويجب أن يخرجها عن نفسه، وولده الصغير الفقير، وخادمه، وولده الكبير إذا كان مجنوناً؛ أما إذا كان عاقلاً، فلا يجب على أبيه، وإن كان الولد فقيراً، إلا أن يتبرع، ولا يجب على الرجل أن يخرج زكاة زوجته، فإن تبرع بها أجزأت، ولو بغير إذنها .
وتخرج عندهم صدقة الفطر من أربعة أشياء: الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، فيجب من الحنطة نصف صاع عن الفرد الواحد، والصاع أربعة أمداد. والمدر رطلان، ويجب من التمر والشعير والزبيب صاع كامل ، ويجوز له أن يخرج قيمة الزكاة الواجبة من النقود، بل هذا أفضل؛ لأنه أكثر نفعاً للفقراء، ويجوز دفع زكاة جماعة إلى مسكين واحد، كما يجوز دفع زكاة الفرد إلى مساكين، ومصرف زكاة الفطر هو مصرف الزكاة العامة الذي ورد في آية: (( إنما الصدقات للفقراء ...الآية .))([4]) .
الشافعية قالوا: زكاة الفطر واجبة على كل حر مسلم ويجب على الكافر إخراج زكاة خادمه وقريبه المسلمين إذا كان قادراً على قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته ، وتجب ولو كان المزكي مديناً، ويجب أن يخرجها عنه وعمن تلزمه نفقته وقت وجوبها، وهم أربعة أصناف: الأول: الزوجة غير الناشز ولو موسرة أو مطلقة رجعياً أو بائناً حاملاً إذا لم تكن لها نفقة مقدرة وإلا فلا تجب. ومثل المرأة العبد والخادم. الثاني: أصله وإن علا. الثالث: فرعه وإن سفل: ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً، والأصل والفرع لا تجب الزكاة عنهما إلا إذا كانوا فقراء أو مساكين ولو بسبب الاشتغال بطلب العلم. ويشترط في الفرع الكبير الذي لم يكن مشتغلاً بطلب العلم أن يكون غير قادر على الكسب، الرابع: المملوك وإن كان آبقاً أو مأسوراً، ووقت وجوبها آخر جزء من رمضان، وأول جزء من شوال، ويسن إخراجها أول يوم من أيام عيد الفطر بعد صلاة الفجر، وقيل صلاة العيد، ويكره إخراجها بعد صلاة العيد إلى الغروب إلا لعذر، كانتظار فقير قريب، ونحوه، ويحرم إخراجها بعد غروب اليوم الأول إلا لعذر، كغياب المستحقين لها وليس من العذر في هذه الحالة انتظار نحو قريب، ويجوز إخراجهما من أول شهر رمضان في أول يوم شاء، ويجب إخراجها في البلد التي غربت عليه فيها شمس آخر أيام رمضان ما لم يكن قد أخرجها في رمضان قبل ذلك في بلده، والقدر الواجب عن كل فرد صاع، من غالب قوت المخرج عنه، وأفضل الأقوات: البر، فالسلت - الشعير النبوي - ، فالذرة، فالأرز فالحمص، فالعدس، فالفول، فالتمر، فالزبيب، فالأقط، فاللبن، فالجبن، ويجزئ الأعلى من هذه الأقوات، وإن لم يكن غالباً عن الأدنى، وإن كان هو الغالب بدون عكس، ولا يجزئ نصف من هذا ونصف من ذاك، وإن كان غالب القوت مخلوطاً، ولا تجزئ القيمة، ومن لزمه زكاة جماعة، ولم يجد ما يفي بها بدأ بنفسه فزوجته، فخادمها، فولده الصغير، فأبيه، فأمه، فابنه الكبير فرفيقه، فإن استوى جماعة في درجة واحدة، كالأولاد الصغار اختار منهم من شاء، وزكى عنه.
ومما سبق يمكن الوقوف على بعض التفاصيل في هذا الموضوع :
اختلف في ذلك أهل العلم على قولين:
القول الأول:
لا يجوز دفع قيمة الطعام في زكاة الفطر.
وهو مذهب جمهور العلماء من المالكية([5]) ، والشافعية([6]) ، والحنابلة([7]).
ومما استدلوا به: حديث ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من تمر ... الحديث([8]) .
قالوا: فإذا عدل عن ذلك فقد ترك المفروض، ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم فرض الصدقة على هذا الوجه، وأمر بها أن تؤدَّى، ولأن الزكاة وجبت لدفع حاجة الفقير، وشكرًا لنعمة المال، والحاجات متنوعة، فينبغي أن يتنوع الواجب ليصل إلى الفقير من كل نوع ما تندفع به حاجته، ويحصل شكر لنعمة بالمواساة من جنس ما أنعم الله عليه به، ولأنّ مخرج القيمة قد عدل عن المنصوص فلم يجزئه"([9]).
يجوز دفع القيمة في زكاة الفطر، بل هو أولى.
قال الكاساني: "الواجب في الحقيقة إغناء الفقير لقوله صلى الله عليه وسلم: ((اُغنوهم عن المسألة في مثل هذا اليوم))([11]) ، والإغناء يحصل بالقيمة، بل أتم وأوفر، لأنها أقرب إلى دفع الحاجة"([12]).
قال ابن حزم: "لا تجزئ قيمة أصلاً؛ لأن ذلك غير ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقيمة في حقوق الناس لا تجوز إلا بتراض منهم، وليس للزكاة مالك معين فيجوز رضاؤه"([13]) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة: "لا يجوز إخراج زكاة الفطر نقودًا؛ لأن الأدلة الشرعية قد دلت على وجوب إخراجها طعامًا"([14]) .
الصاع مكيال متوارث من عهد النبوة، وقد اختلف الفقهاء في تقديره كيلاً ووزناً، فمذهب جمهور العلماء من المالكية([15]) والشافعية ([16]) ، والحنابلة([17])، أنّ الصاع خمسة أرطال وثلث بالعراقي.
أما الحنفية([18]) فالصاع عندهم ثمانية أرطال.
ومن المعلوم أن الأشياء تختلف خفه وثقلاً، فإذا كان الشيء ثقيلاً فإننا نحتاط ونزيد الوزن، وإذا كان حفيفًا فإننا نقلل ... وأما المد النبوي فقد وجدناه مقاربًا لما قاله العلماء من أن زِنته خمسمائة وعشرة جرامات"([19]) .
اختلف أهل العلم فيمن يجب على الرجل أن يؤدي عنهم زكاة الفطر على قولين:
القول الأول: أنه يلزمه أن يخرج عن أولاده الصغار، وعن مماليكه للخدمة، ولا يلزمه أن يخرج عن زوجته ولا عن أولاده الكبار ونحوهم، وإن كانوا فقراء، بل يلزم كل واحد من هؤلاء أن يخرجها عن نفسه. وهو مذهب الحنفية([20]) والظاهرية([21]).
حديث ابن عمر:( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على الذكر والأنثى والحر والعبد والكبير والصغير من المسلمين)([22]).
وهو نصٌ في لزوم إخراج كل واحد من هؤلاء عن نفسه.
القول الثاني: أنه يجب على الرجل أن يؤدِّي زكاة الفطر عن كل من يمون ممن تلزمه نفقته من زوجته ووالديه إن كانا فقيرين وغيرهم، وهو مذهب جمهور أهل العلم([23]).
حديث ابن عمر – في رواية -: (إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون)([24]).
والراجح: هو القول الأول لصحة ما استدلوا به، ولأنّ الأصل في التكليف الاستقلال.
ولا تزر وازرة وزر أخرى، وأمّا حديث المخالف؛ فضعيف لا تقوم به حجة.
قال ابن عثيمين: "فالصحيح أنّ زكاة الفطر واجبة على الإنسان بنفسه، فتجب على الزوجة بنفسها، وعلى الأب بنفسه، وعلى الابنة بنفسها وهكذا، ولا تجب على الشخص عمن يمونه من زوجة وأقارب ... لكن لو أخرجها عمن يمونهم وبرضاهم؛ فلا بأس بذلك ولا حرج"([25]) .
قال ابن المنذر: "وأجمعوا على أن لا زكاة على الجنين في بطن أمه، وانفرد ابن حنبل فكان يحبه ولا يوجبه"([26]) .
ودليل الاستحباب: ما يروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه: أنه كان يعطي صدقة الفطر عن الحبل([28])، ولأنها صدقة عمن لا تجب عليه، فكانت مستحبة كسائر صدقات التطوع([29]) .
قال ابن عثيمين: "فالذي يظهر لي أننا إذا قلنا باستحباب إخراجها عن الجنين فإنما تخرج عمن نفخت فيه الروح، ولا تنفخ الروح إلا بعد أربعة أشهر"([30]) .
اتفق الفقهاء على أن الواجب إخراجه في الفطرة صاع من جميع الأصناف التي يجوز إخراج الفطرة منها، عدا البر والزبيب([31])، فقد اختلفوا في المقدار فيهما على قولين:
القول الأول: أنّ الواجب إخراجه في البر هو صاع منه. وإليه ذهب جمهور أهل العلم([32]) .
واستدلوا لوجوب الصاع بحديث أبي سعيد الخدري قال: (كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب، أو صاعًا من أقط، فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه ما عشت)([33]).
القول الثاني: أن الواجب إخراجه من البر أو الزبيب نصف صاع، وكذا دقيق القمح. وإليه ذهبت الحنيفية([34]). واستدلوا على ذلك بأن إخراج نصف صاع من بر هو الذي كان عليه العمل في عهد معاوية رضي الله عنه([35]) .
وبحديث ثعلبة بن أبي صُعَير عن أبيه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أدوا صاعًا من بر بين اثنين، أو صاعًا من تمر، أو شعير، عن كل حر وعبد، صغير أو كبير) ([36]) .
وهذا نصٌّ في المسألة إن صح، إلاّ أنه معارضٌ برواية أخرى للحديث، وفيها: (أدوا صدقة الفطر صاعًا من قمح...) ([37]) .
والأظهر أنّ المقدار الواجب في البر وغيره الصاع، لحديث أبي سعيد الخدري.
قال ابن قدامة: "ولأنّه جنس يخرج في صدقة الفطر فكان قدره صاعًا كبقية الأجناس، ولأنّ فيما ذكرناه احتياطاً للفرض ومعاضدة للقياس"([38]).
وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء([39]) ، وبه قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين([40]) .
ذهب الحنفية([41]) إلى أنه يجزئ في إخراج زكاة الفطر القيمة من النقود، وهو الأفضل، أو العروض، لكن إن أخرج من البر أو دقيقه أو سويقه أجزأه نصف صاع، وإن أخرج من الشعير أو التمر أو الزبيب فصاع، وما سوى هذه الأشياء الأربعة المنصوص عليها من الحبوب كالعدس والأرز، أو غير الحبوب كاللبن والجبن واللحم، فتعتبر قيمته بقيمة الأشياء المنصوص عليها، فإذا أراد المتصدق أن يخرج صدقة الفطر من العدس مثلاً، فيُقوَّم نصف صاع من بر، فإذا كانت قيمة نصف الصاع ثمانية ريالات مثلاً، أخرج من العدس ما قيمته ثمانية ريالات، ومن الأرز واللبن والجبن وغير ذلك من الأشياء التي لم ينص عليها الشارع مثل ذلك.
وذهب المالكية([42]) إلى أنّه يخرج من غالب قوت البلد كالعدس والأرز والفول والقمح والشعير والسلت والتمر والأقط والدخن، وما عدا ذلك لا يجزئ، إلا إذا اقتاته الناس وتركوا الأنواع السابقة، ولا يجوز الإخراج من غير الغالب، إلا إذا كان أفضل، كأن اقتات الناس الذرة فأخرج قمحًا، وإذا أخرج من اللحم اعتبر الشبع، فإذا كان الصاع من البر يكفي اثنين إذا خبز، أخرج من اللحم ما يشبع اثنين.
وذهب الشافعية([43]) إلى أنه يخرج من جنس ما يجب فيه العشر، ولو وجدت أقوات فالواجب غالب قوت بلده، وقيل: من غالب قوته، وقيل: مخير بين الأقوات، ويجزئ الأعلى من الأدنى لا العكس.
وذهب الحنابلة([44]) إلى أنه يخرج من البر أو التمر أو الزبيب أو الشعير، ويخير بينها، ولو لم يكن المخرج قوتًا، فإن لم يجد ذلك أخرج من كل ما يصلح قوتًا من ذرة أو أرز أو نحو ذلك.
والأولى في جنس المخرج أن يكون مما يقتاته الناس وإن لم يكن منصوصاً عليه في الحديث.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أن يُخْرج مما يقتاته أهل بلده، قال: "الأصل في الصدقات أنها تجب على وجه المساواة للفقراء كما قال تعالى: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ}([45]) . والنبيّ صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير؛ لأنّ هذا كان قوت أهل المدينة، ولو كان هذا ليس قوتهم، بل يقتاتون غيره لم يكلفهم أن يخرجوا مما لا يقتاتونه"([46]) .
قال ابن عثيمين: "إذا لم تكن هذه الأنواع أو بعضها قوتًا فهل تجزئ؟
الجواب: الصحيح أنهّا لا تجزئ، وإنما نص عليها في الحديث؛ لأنّها كانت طعامًا فيكون ذكرها على سبيل التمثيل لا التعيين؛ لما ثبت في صحيح البخاري قال: (كنا نخرجها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعًا من طعام، وكان طعامنا يومئذ التمر والزبيب والشعير والأقط)([47]). فقوله: (من طعام) فيه إشارة إلى العلة، وهي أنها طعام يؤكل ويطعم، ويرجِّح هذا، ويقِّويه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) ([48]) ، وهذا الحديث وإن كان ضعيفًا، لكن يقويه حديث ابن عباس رضي الله عنه: (فرضها – أي زكاة الفطر – طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين)([49]) ، وعلى هذا فإن لم تكن هذه الأشياء من القوت كما كانت في عهد الرسول فإنها لا تجزئ"([50]).
وقت انتهاء الأداء لصدقة الفطر:
وهو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية([52]) والشافعية([53]) ، والحنابلة([54]) .
أن وقتها مقيد بصلاة العيد، فمن أداها بعد ذلك كانت صدقة من الصدقات وأثم على تفريطه.
قال ابن القيم: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إخراج هذه الصدقة قبل صلاة العيد، وفي السنة أنّه قال: (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ([55]) ، وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة)([56]) ، ومقتضى هذين الحديثين أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد، وأنها تفوت بالفراغ من الصلاة، وهذا هو الصواب، فإنّه لا معارض لهذين الحديثين، ولا ناسخ، ولا إجماع يدفع القول بهما، وكان شيخنا([57]) يقوي ذلك وينصره"([58]). وإلى ذلك ذهب الشيخ محمد العثيمين([59]).
اتفق أهل العلم على جواز إخراج زكاة الفطر قبل وقت وجوبها بزمن، غير أنّهم اختلفوا في تحديده على ثلاثة أقوال:
القول الأول:
يجوز إخراج زكاة الفطر في جميع السنة مطلقًا.
وهو مذهب الحنفية([60]) ، لأنه أدَّى بعد تقرر السبب الذي هو ملك النصاب، فأشبه الزكاة.
يجوز إخراجها في جميع أيام شهر رمضان.
وهو الصحيح عند الشافعية([61]) .
يجوز إخراج زكاة الفطر قبل يوم العيد بيوم أو يومين ولا يجوز تقديمها أكثر من ذلك.
وهو مذهب المالكية([62]) ، والحنابلة([63]) .
ودليلهم: ما رواه نافع: أن ابن عمر كان يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين([64]).
وأرجح هذه الأقوال هو القول الأخير ؛ لاتباعه الأثر، وموافقته لمقصد الشرع في كون زكاة الفطر طعمة، وإغناء للمساكين في يوم العيد، وهذا ما رجحته اللجنة الدائمة([65]) ، والله أعلم.
اتفق أهل العلم على استحباب إخراج زكاة الفطر صبيحة يوم العيد قبل الصلاة([66]).
لحديث ابن عمر: (أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ([67]).
السعودية :جيزان : 22 رمضان - 1441 هـ سالم السلطان
[2] - هذا التفصيل منقول من - كتاب الفقه عَلَى المَذاهب الأرْبَعَة لعَبْد الرّحْمَن الجزيريّ - .
[3] - رواه محمد بن الحسن في المبسوط كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر (2/247)، وبنحوه ابن عدي في الكمال (7/55)، والدراقطني في السنن كتاب الزكاة (2/153). والحاكم في معرفة علوم الحديث (1/131)، والبيقهي في الكبرى كتاب الزكاة باب وقت إخراج زكاة الفطر (4/175)، وابن حزم في المحلى (6/121)، ومداره على أبي معشر المدني، وقد ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهم (انظر الكامل لابن عدي 7/52)، وقال البيهقي: غيره أوثق منه.
[5] - التفريع لابن الجلاب (1/297).
[7] - المغني لابن قدامة (4/295).
[9] - انظر: المغني لابن قدامة (4/297).
[10] - المبسوط للسرخسي (3/114).
[14] - فتاوى اللجنة الدائمة (9/371).
[15] - الذخيرة للقرافي (3/78).
[16] - الحاوي للماوردي (4/423).
[17] - الشرح الكبير لأبي الفرج المقدسي (7/122).
[19] - الشرح الممتع (6/177)، وللتوسع انظر: المقادير الشرعية والأحكام الفقهية المتعلقة بها لكردي (ص227)، والموسوعة الفقهية الكونية (مصطلح: مقادير).
[20] - مختصر القدوري (61)، البناية شرح الهداية للعيني (3/485)، حاشية ابن عابدين (2/75).
[21] - المحلى لابن حزم (6/137).
[23] - انظر: التمهيد (7/131)، بلغة السالك (1/201)، أسهـل المـدارك للكشناوي (1/407)، مغني المحتـاج للشربيني (1/402)، شرح منتهى الإرادات للبهوتي (1/439).
[24] - رواه الشافعي في الأم كتاب الزكاة، باب الفطر (4/228)، والدارقطني في السنن، كتاب زكاة الفطر (2/141)، وقال: "رفعه القاسم، وليس بقوى، والصواب موقوف"، والبيهقي في الكبرى كتاب الزكاة، باب إخراج زكاة الفطر عن نفسه وغيره (4/161)، وقال: "إسناده غير قوي".
[27] - المغني لابن قدامة (4/316) الإنصاف للمرداوي (7/96).
[28] - رواه ابن أبي شيبة كتاب الزكاة، باب في صدقة الفطر عما في البطن (2/432) والإمام أحمد في المسائل رواية ابنه عبد الله (644)، وفيه انقطاع ؛ لذا ضعفه الألباني في الإرواء (3/331)، وأخرج ابن أبي شيبة (2/398)، كتاب الزكاة، باب من قال صدقة الفطر صاع من شعير، وعبد الرزاق كتاب الزكاة، باب هل يزكي على الحبل (5788)، عن أبي قلابة قال: (كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطر عن الصغير والكبير حتى على الحبل في بطن أمه).
[29] - انظر: المغني لابن قدامة (4/316).
[30] - الشرح الممتع (6/162)، وانظر: فتاوى اللجنة الدائمة (9/366).
[31] - بداية المجتهد (1/64) لابن رشد.
[32] - انظر: الذخيرة للقرافي (3/170)، مغني المحتاج للشربيني (2/116)، كشاف القناع (1/471).
[33] - رواه البخاري في كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب (1508)، ومسلم: كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (985).
[34] - انظر: المبسوط للسرخسي (3/112).
[35] - أصله في صحيح البخاري: كتاب الزكاة، باب صاع من زبيب (1508).
[36] - ضعيف، رواه الإمام أحمد (5/432)، وأبو داود في كتاب الزكاة، باب من روى نصف صاع من تمر (1619)، والدارقطني في السنن (2/150). قال منها: "ذكرت لأحمد حديث ثعلبة بن أبي صعير في صدقة الفطر نصف صاع من بر فقال: ليس بصحيح، إنما هو مرسل، قال :مهنّا: وضعّف يعني: أحمد، حديث ابن أبي صعير، (نقلاً عن المغني (4/287).
[39] - انظر: فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية (9/370).
[40] - انظر: الشرح الممتع (6/180).
[41] - البناية شرح الهداية للعيني (3/494).
[43] - مغني المحتاج (1/406)، أسنى المطالب (1/391).
[44] - كشاف القناع (1/471)، والإنصاف (7/129).
[48] - رواه محمد بن الحسن في المبسوط كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر (2/247)، وبنحوه ابن عدي في الكمال (7/55)، والدراقطني في السنن كتاب الزكاة (2/153). والحاكم في معرفة علوم الحديث (1/131)، والبيقهي في الكبرى كتاب الزكاة باب وقت إخراج زكاة الفطر (4/175)، وابن حزم في المحلى (6/121)، ومداره على أبي معشر المدني، وقد ضعفه ابن معين والنسائي وغيرهم (انظر الكامل لابن عدي 7/52)، وقال البيهقي: غيره أوثق منه.
[50] - الشرح الممتع (6/179) وما بعدها.
[51] - البناية شرح الهداية للعين (3/504).
[52] - التفريع لابن الجلاب (1/295).
[57] - يعني: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
[59] - الشرح الممتع (6/173-174).
[60] - البناية شرح الهداية للعيني (3/504).
[62] - الذخيرة للقرافي (3/158).
[63] - الشرح الكبير (7/117)، الإنصاف (7/116).
[64] - رواه البخاري كتاب الزكاة، باب الصدقة قبل العيد (1509)، ومسلم كتاب الزكاة، باب الأمر بإخراج زكاة الفطر قبل الصلاة (986).
[65] - فتاوى اللجنة الدائمة (9/373).
[66] - انظر: الاستذكار لابن عبد البر (9/365).